كثّفت إسرائيل هجماتها الجوية على سوريا مؤخرًا، مستهدفة مواقع قرب دمشق، وحمص، ومحافظة السويداء الجنوبية، تحت ذريعة حماية الأقلية الدرزية.
تهدف هذه الضربات إلى تعزيز حملة السيطرة الإقليمية وتفكيك الدول المحيطة بها، حسبما ذكر الكاتب سامي العريان.
ذكر تقرير "ميدل إيست آي" أن سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024 مهّد لتصعيد إسرائيلي تمثّل في احتلال أكثر من 400 كلم² من الأراضي السورية وتدمير منهجي لبقايا البنية العسكرية السورية.
يتزامن هذا التصعيد مع استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة منذ 23 شهرًا، ما أوجد بيئة مضطربة في عموم المنطقة.
نفذت الولايات المتحدة غارات ودعمت القوات الكردية شمال شرق سوريا وسهّلت الهجمات الإسرائيلية، بهدف الحفاظ على وجودها العسكري ومنع أي قوى صاعدة من تهديد مصالحها الأمنية والطاقة.
بينما تركّز أمريكا على السيطرة الجيوسياسية، تسعى إسرائيل لتقسيم سوريا إلى كيانات طائفية وإثنية، وفق خطة قديمة تهدف إلى تفتيت العالم العربي وترسيخ هيمنتها الإقليمية.
يرجع هذا التوجه إلى خمسينيات القرن الماضي، حين اقترحت وثائق إسرائيلية رسمية إقامة دولة كردية تفصل بين العرب.
وتبلور هذا التصور لاحقًا في خطة "ينون" عام 1982، التي دعت لتفكيك سوريا إلى دويلات طائفية.
رأت الخطة أن الأمن الإسرائيلي يرتكز على إضعاف الدول العربية الموحدة وتحويلها إلى كيانات هشة تدور في فلك إسرائيل.
وفق هذا النموذج، يجري تقسيم سوريا إلى أربع مناطق نفوذ رئيسية:
- منطقة درزية في السويداء جنوبًا، تسعى إسرائيل لربطها بها سياسيًا.
- دويلة علوية على الساحل تحت حماية روسية، تتمركز في اللاذقية وطرطوس.
- كيان كردي في الشمال الشرقي تدعمه أمريكا وتسيطر عليه قوات "قسد".
- شريط سنّي في الشمال والشمال الغربي يخضع للتأثير التركي.
يناسب هذا التقسيم مصالح إسرائيل التي تسعى لإضعاف سوريا بشكل دائم كي لا تعود فاعلًا إقليميًا قادرًا على دعم المقاومة الفلسطينية أو مناهضة التوسع الإسرائيلي.
وقد وصف المفكر الصهيوني برنارد لويس الدول العربية بأنها قابلة للتفكك، وأشار إلى أن أي ضعف في السلطة المركزية سيؤدي لتفكك الدولة إلى طوائف وميليشيات.
منذ عام 2013، كثّفت إسرائيل غاراتها داخل سوريا بذريعة استهداف مواقع إيرانية أو تابعة لحزب الله.
وبلغت هذه العمليات ذروتها بعد 7 أكتوبر 2023، مع اغتيال قادة من إيران وحزب الله على الأراضي السورية، ضمن حملة أوسع ضد محور المقاومة في غزة ولبنان وسوريا.
سعت إسرائيل خلال تلك الهجمات لتدمير الدفاعات الجوية السورية، المستودعات العسكرية، والمراكز البحثية، بهدف منع سوريا من استعادة قوتها وتقليص النفوذ الإيراني، إضافة إلى فرض تفوق عسكري ونفسي دائم في المنطقة.
تتفق الاستراتيجية الأمريكية مع الهدف العام لإضعاف سوريا، لكنها تختلف في الوسائل.
تنتهج واشنطن سياسة الحضور العسكري والاحتواء بدل الفوضى الشاملة التي تفضلها إسرائيل.
دعمت أمريكا الأكراد تحت غطاء محاربة الإرهاب، وسعت لتقليص النفوذ الإيراني دون الانخراط في حرب مفتوحة.
لكنها في الوقت ذاته لم تُعارض الضربات الإسرائيلية، بل وفّرت لها الغطاء السياسي.
وتريد واشنطن لسوريا أن تبقى ضعيفة ولكن غير منهارة، بما يضمن استمرار النفوذ الأمريكي ويحول دون تحقيق مكاسب لروسيا أو إيران.
في السويداء، تحاول إسرائيل استغلال الحراك الدرزي لتشكيل كيان حليف لها، رغم رفض فصائل درزية عديدة لأي تدخل خارجي.
بينما التزمت واشنطن الحذر، خوفًا من استفزاز جيرانها أو تأجيج الغضب داخل المجتمع الدرزي في إسرائيل.
أما تركيا، فتعارض بشدة أي مشروع لتقسيم سوريا، خصوصًا ما يتعلّق بالأكراد.
تدخل الجيش التركي في الشمال السوري لدعم فصائل عربية وتركمانية والحد من نفوذ "قسد"، وصرّح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان مؤخرًا أن أنقرة ستتدخل ضد أي محاولات لتقسيم سوريا أو منح جماعات مسلحة حكمًا ذاتيًا.
اختلفت مصالح تركيا عن أمريكا وإسرائيل، فبينما يدعم هذان الطرفان الفصائل الكردية، تعتبرها أنقرة تهديدًا وجوديًا لأمنها القومي.
رغم ذلك، أصبحت تركيا منذ سقوط الأسد الداعم الرئيسي للنظام الجديد في دمشق.
في السياق الجيوسياسي، تُعتبر سوريا مركزًا استراتيجيًا للعالم العربي، وتتحكم بممرات ومصالح إقليمية مهمة، مما يجعلها أشبه بـ"قلب الأرض" وفق نظرية البريطاني هالفورد ماكندر.
من يسيطر على سوريا يملك مفتاح التوازن في الشرق الأوسط.
تطبّق أمريكا وإسرائيل نهجين متوازيين في سوريا: تريد واشنطن الحفاظ على وجودها دون الانخراط في الفوضى، بينما تسعى تل أبيب إلى تفكيك الدولة بالكامل لضمان عدم نشوء أي تهديد مستقبلي.
وقد ضمّت بالفعل الجولان السوري وتتحرك لتعزيز نفوذها في السويداء.
ما لم تتحرك قوى إقليمية كتركيا، إيران، وبعض الدول العربية بشكل منسق، فإن خطر تفكك سوريا إلى كيانات دائمة بات أمرًا واقعيًا، في سياق تنفيذ المخطط الصهيوني القديم لإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط.
https://www.middleeasteye.net/opinion/syria-after-assad-israel-us-accelerate-plans-partition-country